أضرار غسل الشعر أثناء الدورة الشهرية: نظرة علمية شاملة

تُعد فترة الدورة الشهرية من الفترات البيولوجية الحساسة التي تمر بها النساء بشكل دوري، ويصاحبها العديد من التغيرات الفسيولوجية والهرمونية التي تؤثر على الحالة الجسدية والنفسية للمرأة. وقد ارتبطت هذه الفترة منذ القدم بالعديد من المعتقدات والتقاليد، بعضها يستند إلى ملاحظات طبية فعلية، وبعضها الآخر يندرج في إطار العادات الاجتماعية والمفاهيم المتوارثة، ومن بينها الاعتقاد بأن غسل الشعر أثناء الدورة الشهرية قد يؤدي إلى أضرار صحية. وعلى الرغم من غياب إجماع طبي واضح حول هذا الموضوع، فإن بعض الدراسات والملاحظات السريرية تشير إلى وجود علاقة بين هذه الممارسة وحدوث بعض الأعراض السلبية لدى بعض النساء. في هذا المقال، سيتم تناول هذه المسألة من منظور علمي وطبي موسع، مع عرض العوامل الفسيولوجية، والتحليلات الطبية، وتفسير الأسباب التي قد تفسر ظهور أضرار محتملة لغسل الشعر أثناء فترة الطمث.

التغيرات الفسيولوجية أثناء الدورة الشهرية

قبل الخوض في تفاصيل أضرار غسل الشعر أثناء الدورة، لا بد من فهم طبيعة التغيرات الجسدية التي تحدث خلال هذه الفترة. تبدأ الدورة الشهرية نتيجة لانخفاض مستويات الهرمونات الأنثوية (الإستروجين والبروجستيرون)، ما يؤدي إلى انسلاخ بطانة الرحم ونزول الدم عبر المهبل. يصاحب هذه العملية مجموعة من التغيرات في الجهاز العصبي والدورة الدموية والجهاز المناعي، ومنها:

• انخفاض درجة حرارة الجسم الأساسية: غالبًا ما تنخفض درجة حرارة الجسم قليلاً خلال الأيام الأولى من الحيض نتيجة انخفاض البروجستيرون.

• ضعف المناعة المؤقت: لوحظ أن نشاط الجهاز المناعي قد يتأثر، ما يجعل الجسم أكثر عرضة للعدوى.

• توسع الأوعية الدموية الطرفية: ما قد يجعل الجسم أكثر حساسية للبرودة.

• تغير المزاج وحالة التوتر العصبي: نتيجة التغيرات الهرمونية المفاجئة.

هذه التغيرات مجتمعة قد تفسر سبب تأثر الجسم ببعض العوامل الخارجية، مثل الماء البارد أو تغير درجة حرارة الرأس نتيجة غسل الشعر.

أضرار غسل الشعر أثناء الدورة الشهرية

1. التأثير على الدورة الدموية الدماغية

أثناء الدورة الشهرية، تكون المرأة أكثر حساسية لتقلبات درجات الحرارة. وعند غسل الشعر بالماء البارد تحديدًا، يمكن أن يسبب التغير المفاجئ في حرارة فروة الرأس انقباضًا حادًا في الأوعية الدموية، مما قد يؤدي إلى اضطراب مؤقت في الدورة الدموية الدماغية. وهذا الانقباض المفاجئ قد يتسبب في:

• صداع حاد أو صداع نصفي

• دوخة أو شعور بعدم الاتزان

• إرهاق عام بالرأس

• خمول ذهني مؤقت

2. زيادة احتمالية الإصابة بنزلات البرد أو التهابات الجيوب الأنفية

فروة الرأس الرطبة بعد الغسل، خصوصًا إذا لم يتم تجفيف الشعر جيدًا أو تم التعرض للهواء البارد، يمكن أن تزيد من خطر الإصابة بنزلات البرد، وذلك بسبب:

• انخفاض المناعة المؤقت خلال فترة الدورة.

• تأثر الجهاز التنفسي العلوي بالرطوبة.

• انتقال البرودة إلى الجسم من خلال الرأس، مما يسبب قشعريرة وتقلص العضلات.

3. اضطرابات في الجهاز العصبي

تؤثر التغيرات الحرارية الحادة على الجهاز العصبي، وخاصة عند غسل الشعر بماء بارد. في هذه المرحلة الحساسة من الدورة، قد يؤدي التحفيز الحراري إلى:

• توتر في الأعصاب المحيطية

• ارتجاف أو قشعريرة شديدة

• زيادة آلام العضلات خاصة في منطقة الرقبة والظهر

• الإحساس بوخز في فروة الرأس أو برودة مستمرة في الرأس

4. زيادة آلام الدورة الشهرية

تشير بعض النساء إلى زيادة شدة التقلصات والانقباضات الرحمية بعد غسل الشعر أثناء الدورة، خاصة إذا تم الغسل بماء بارد. وقد فسر الأطباء هذا التأثير بأنه ناتج عن:

• تغير درجة حرارة الجسم ما قد يؤثر في تقلص عضلات الرحم.

• التأثير العصبي المنعكس من فروة الرأس إلى بقية الجسم، خاصة أسفل البطن.

• التأثيرات النفسية الناتجة عن الشعور بعدم الارتياح أو الخوف من المضاعفات المحتملة.

5. خطر تفاقم التهابات فروة الرأس

أثناء الدورة الشهرية، تتغير إفرازات الغدد الدهنية في الجلد وفروة الرأس. وعند غسل الشعر وعدم تجفيفه جيدًا، أو استخدام منتجات غير مناسبة، قد تتفاقم مشاكل فروة الرأس مثل:

• القشرة

• الحكة

• تهيج الفروة

• نمو الفطريات والميكروبات في بيئة رطبة

6. اضطراب في حرارة الجسم العامة

يلعب الرأس دورًا مهمًا في تنظيم حرارة الجسم، وغسله أثناء الدورة بماء بارد أو في بيئة باردة قد يسبب اختلالًا في توازن حرارة الجسم الداخلية، ما يؤدي إلى:

• الشعور بالقشعريرة المستمرة

• ضعف في الدورة الدموية الطرفية

• اضطراب في النوم بسبب البرد

• شعور عام بعدم الراحة

العوامل المؤثرة في شدة الأضرار

تتفاوت حدة الأعراض من امرأة إلى أخرى، حسب مجموعة من العوامل الفسيولوجية والبيئية، منها:

التوصيات الطبية والممارسات الآمنة

على الرغم من عدم وجود دليل طبي قطعي يمنع غسل الشعر أثناء الدورة، فإن هناك مجموعة من التوصيات التي يمكن الالتزام بها لتقليل أي مضاعفات محتملة:

• تجنب الماء البارد، والاكتفاء بالماء الفاتر عند غسل الشعر خلال الدورة.

• تجفيف الشعر جيدًا فور الانتهاء من الغسل باستخدام منشفة جافة ومجفف شعر بدرجة حرارة متوسطة.

• تجنب غسل الشعر في الأيام الأولى من الدورة، حيث تكون التقلصات والنزيف في ذروتهما.

• عدم البقاء في جو بارد بعد الغسل، وتغطية الرأس بعد الغسل للحفاظ على حرارة الجسم.

• استخدام منتجات العناية اللطيفة بالشعر وفروة الرأس التي لا تسبب تهيجًا أو تحسسًا.

الخلفية الثقافية والتقاليد المرتبطة

في العديد من الثقافات التقليدية، يُنظر إلى الحيض على أنه فترة “ضعف” أو “نجاسة مؤقتة”، وبالتالي تفرض بعض العادات قيودًا على سلوك المرأة في هذه الفترة، مثل منعها من الاستحمام أو غسل الشعر أو ممارسة بعض الأنشطة. وقد تكون هذه المعتقدات ناتجة عن ملاحظات متكررة لبعض الأعراض التي تصيب النساء أثناء الدورة بسبب تأثير التغيرات الفسيولوجية، ولكنها تطورت لتصبح جزءًا من الموروث الشعبي غير المستند إلى أساس علمي دائم.

مع تطور المعرفة الطبية، أصبح من الممكن تفسير بعض هذه العادات بصورة منطقية أو دحضها إن لم يكن لها أساس علمي، مع ضرورة احترام الخصوصية الثقافية وتقاليد المجتمعات المختلفة، في ظل تعزيز التوعية المبنية على المعرفة السليمة.

خلاصة علمية

رغم أن غسل الشعر أثناء الدورة الشهرية لا يُعد من الممنوعات الطبية الصارمة، إلا أن الظروف المحيطة بهذه الممارسة تلعب دورًا حاسمًا في تحديد سلامتها. التغيرات الفسيولوجية التي تمر بها المرأة خلال هذه الفترة تجعلها أكثر عرضة للتأثر بالبرودة والرطوبة، وهو ما يفسر سبب ظهور بعض الأعراض الجانبية عند بعض النساء بعد غسل الشعر أثناء الحيض. لذلك، ينصح الأطباء باتخاذ احتياطات خاصة وتوفير ظروف مناسبة عند غسل الشعر خلال هذه المرحلة الحساسة من الدورة الشهرية.

المراجع

• Mayo Clinic. “Menstrual cycle: What’s normal, what’s not.” www.mayoclinic.org

• WebMD. “How Periods Affect the Body.” www.webmd.com